قررّ اللبنانيون مسيرة مستقبلهم قبل ثلاثة شهور في انتخابات نيابية عامة أسفرت عن فوز 128 نائباً سيتولون خلال السنوات الأربع المقبلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية واختيار رئيس أو رؤساء للحكومة وإعطاء الثقة أو حجبها عنها، والقيام بكل ما يفرضه النظام البرلماني الديمقراطي من تشريع وتعديل ومحاسبة تحت سقف الدستور ونصوصه، واذا اقتضى الأمر تغييراً في هذا الدستور فهؤلاء النواب انفسهم هم من سيقومون بذلك بشروط محددة.
التذكير بواقعة انتخاب مجلس جديد هدفه القول لكل الهاجسين يومياً بسوء المصير، الناقمين على الأوضاع من طالبي الدبس في فم النمس، من جماعة زعيمي أفضل من زعيمك وزعيمك لص بينما زعيمي يملك صكاً بتكليف الهي… أن كل هذا الكلام والنقّ والشكوى لا معنى له، فالناخب الذي ذهب الى صناديق الإقتراع قرر من سيمثله طوعاً أو غصباً، وهو عندما اختار التجديد لتلك الشلة من المسؤولين الذين قادوا الى الإنهيار الإقتصادي والمالي والاجتماعي وأشرفوا عليه واستفادوا منه، فإنما عبّر عن رضاه المُضْمَر على ما هو فيه من سوء حال وعلى تقهقر أوضاعه وفقدانه الخبز والدواء والعمل والأمل، ولا ينفع في تبرير هذه النتيجة تحميل قانون الانتخاب المسؤولية ولا تلك النفحة المستكينة التي لا ترى أفقاً في الانتخاب من عدمه.
لقد مدد نصف الشعب اللبناني، على الأقل، لحكام الأزمة وقادة السطو على الدولة ومنظمي انهيارها. اعطوا ثقتهم لمشاريع تتخطى السيادة والاستقلال وموقع لبنان العربي والدولي، وصوتوا لمن لا يريد قضاءً مستقلاً يكشف حقيقة ما جرى في مرفأ بيروت. وها هم اليوم يواصلون الشكوى من كل شيء في عتمةٍ شاملة، ويستمرون في طرح الاسئلة نفسها، كأن محطة 15 أيار لم تكن، أو أن الخلاص الموعود سيأتي من نافذة سفارة ما.
ليست الصورة كلها بهذا السوء. ففي مجلس النواب طاقات وامكانيات تغييرية أيضاً. هي قادرة على التأثير وربما إحداث انقلاب ديمقراطي في المسيرة الى جهنم. وعلى تلك الطاقات ان تجتمع فعلياً حول مشروع وطني بين عناوينه رئاسة الجمهورية وطبيعة الحكومة ومهماتها المقبلة، فما يجري اليوم لا يتعدى كونه تصفيات نهاية الموسم، فيما المطلوب التحضير لموسم جديد، لن يولد الا من هذا المجلس النيابي الذي اختاره ناخبون قبل ثلاثة أشهر.