بات في شبه المؤكد أن لا حكومة جديدة قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون في نهاية تشرين الأول المقبل، فالخلافات الشخصية وبيانات التقريظ المتبادلة لم تترك للصلح حيّزاً ولو ضئيلاً، وأعجوبة طول أناة الرئيس المكلف الطويلة جداً باتت بحاجة لأعجوبة لتستعيد نعمة التواصل بين رئيسين، واحد يستعد للرحيل وأخر قد يعد نفسه بدورٍ لاحق في عهود اخرى.
وعندما تبقى الحكومة في صيغتها التصريفية الحالية، ستصبح في تقاليد التعطيل والفراغ المفروضة مادةً للجدل والتجاذب وتركيب الاجتهادات، خصوصاً اذا لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهل المحددة، وليس من طريق للخلاص من هذا الجدل المتوقع سوى في التزام الدستور وانتخاب رئيس جديد يتولى على الفور اجراء استشارات نيابية ملزمة تسفر عن تكليف رئيس جديد للحكومة.
لكن التجارب القريبة لم تكن وردية، فنحن لسنا فقط امام حكومة تصريف للأعمال في نهاية عهد، وانما في نهاية عهد قد لا ينتهي الى ولادة خلفٍ طبيعي، والفراغ في هذه الحالة سيكون مزدوجاً، والمصيبة الدستورية كارثية.
كان يمكن للمجلس الدستوري في صيغته الاولى المقترحة، لدى إقرار وثيقة الوفاق الوطني في اتفاق الطائف، ان يبت في خلافات واختلافات كتلك المطروحة الآن او التي طرحها تعطيل انتخاب رئيس للدولة، لكن الحاكم السوري الغى في حينه دور المجلس الدستوري في تفسير الدستور ورسم المخارج، وحصر مهمته في المراقبة… والبت في الطعون الانتخابية، واناط بمجلس النواب ذلك الدور والصلاحية.
بذلك التعديل الذي ظهر في المادة 19 من الدستور، بات الحَكَم الذي يحتاجه سير النظام من صلاحية ضابط الإيقاع السوري، وفي غياب هذا الأخير وصل سياسيو البلد الى ما هم فيه من تضارب.
لا مجلس دستورياً قادراً على الحسم في شكليات انتظام السلطة، ولا ضابط سورياً يستدعي المتضاربين الى عنجر، وتحالف حزبي يحاول باستمرار ان يفرض ممثليه بالفراغ والتعطيل واساليب عدةّ. وفي الصورة يبقى تفصيل مهم هو مجلس النواب. في الشهرين المقبلين ستكون مسؤولية المجلس حاسمة، بدءاً من انتخابات الرئاسة، فلا بديل عن العمل النيابي المشترك، واجتماعات التنسيق التي بدأت مؤخراً هي السبيل المتاح لمحاولة رسم أفق آخر.