لم يضطر آموس هوكشتاين الى جولاتٍ مكوكية هذه المرة. بقدرة قادر تمكن من جمع مجلس الادارة الذي افرنقع افراده طويلاً فجالسهم ساعة كاملة ولو طال الوقت أكثر لتمكن من إذابة الجليد الحكومي والنيابي ولاغتنم الفرصة لتشكيل الحكومة وإصدار مراسيمها ما دام الرؤساء حاضرين، ولربما عرّج على اسم الرئيس العتيد لولا اشتراط فخامته أن يكمل ما بدأه هو. فهذه نقطة قد تحتاج وحدها الى أكثر من ساعة بحث.
منذ بدأ المبعوث الأميركي مهمته والأزمة الحكومية في لبنان قائمة. دائماً ما كان يضطر للتجول على الولاة اللبنانيين فرداً فرداً بانتظار سماع رأي الصدر الأعظم ليبني على الخطاب مقتضاه. لم يكن لبنان بحاجة الى عشر سنوات للبدء في التنقيب واستخراج الغاز أو النفط، وفي هذه السنوات العشر جمعت اسرائيل ودول أخرى مجاورة مداخيل بمليارات الدولارات بينما كان التنقيب في لبنان يتركّز على آبار الحصص الطائفية والمذهبية والشخصية.
والى ان يتم توقيع اتفاق الترسيم البحري سيبقى الشك قائماً ليس فقط بسبب الأطماع الصهيونية ولا بسبب التصدي التاريخي لها من الموقع الوطني المذهبي العابر للأقاليم، وانما بسبب عقلية المحاصصة وترتيب الأوضاع التي لم تقُد فقط الى حفظ الغاز في ارضه بل الى تضييع ما هو فوق الارض من ثروات وكرامات وحيوات من دون رقيب ولا حسيب.
يقول المتفائلون إنه بعد زيارة هوكشتاين ربما دخلنا في المرحلة الأخيرة من إنجاز الاتفاق. لكن الأجدى سماع الباحث في شؤون لبنان وسوريا في جامعة تل ابيب إيال زيسر.
يرى زيسر «نحن موجودون في هذه المرحلة منذ 10 سنوات. انه صراعٌ او نزاع يمكن حلّه خلال ساعات». لكن المشكلة في «المنظومة اللبنانية أحزاباً وشخصيات ووجهاء وعائلات وأصحاب مصالح، وهم لم ينجحوا في التوصل الى قرار في ما بينهم حول تقاسم الغنيمة، والأمور تبدأ من هنا. فلبنان موجود في حالة شلل اقتصادي وسياسي. لا توجد حكومة وهناك خصومات بين مراكز القوة ولا أحد يريد تحمّل المسؤولية أو منح جائزة لخصمه، وهذا الواقع جعلهم غير قادرين على اتخاذ قرارات».
كيف يرى الباحث في الدولة العبرية الى موقف «حزب الله» ضمن هذه المعطيات؟ يجيب في حديث نقله موقع «عرب 48»: «ان موقف حسن نصرالله كان حذراً منذ البداية، لأن اتفاقاً ترحب به حكومة لبنان فيه مصلحة له أيضاً، والمسألة بالنسبة الى نصرالله هي انه يرى الأمور آخذة في الإنجراف، وربما هو يخشى ان تقول اسرائيل انه اذا كنتم لا تريدون اتفاقاً فلا حاجة اليه!».
اسرائيل تجني المليارات وتستعد للتصدير الى اوروبا، وهي ستواصل فعل ذلك فيما يواصل مجلس الادارة اللبناني صراعاته وأوهامه. بهذا المعنى فإن الاتفاق سيلقى ترحيب نصرالله الذي «سيصوّره على أنه إنجاز له» يقول الباحث في تل ابيب.
مهما يكن كشف هوكشتاين حقول النفاق اللبناني قبل ان يتجه بأبصاره ناحية البحر وحقوله الغازية، وفور غيبته التي يرى مضيفوه انها لن تكون طويلة سيتحدث هؤلاء عن انجازاتهم ومغامراتهم معه ولن يتقدموا خطوة على طريق تقديم أنفسهم دولة متماسكة ذات سيادة وتحكمها المؤسسات.